عنوان المقال : مثير للإعجاب
في زمن باتت فيه الشهرة متاحة بضغطة زر والألقاب تُصاغ في التعريفات الشخصية أكثر مما تُمنح في قاعات العلم .. يتكاثر نوع جديد من "مثيري الإعجاب" أولئك الذين يتوسّلون نظرة ويقيسون قيمتهم من خلال عدد الإعجابات لا عمق الذات .. عن المتسولين خلف الأضواء أكتب .. إذ ليس كل من سار في موكب الضوء كان مضيئًا .
هؤلاء لا يطيقون أن يكونوا وحدهم بل يحرصون على التواجد الدائم ضمن الحشود كأنهم يخشون أن يواجهوا فراغهم الحقيقي إذا غابت المرايا .
يتنافسون على كل ما يمكن أن يُلفت الانتباه شهرة .. لقب .. صورة .. مقطع .. أو حتى كذبة تتكرر حتى تصير حقيقة في رؤوسهم !
هل حقًا نالوا الاحتفاء من خلال الآخرين أم أنهم يبيعوا ويشتروا ما يشعرهم بالجدارة التي لم يجدوا لها سندا في داخلهم ؟
هل هم مثيرون للإعجاب لأنهم استطاعوا أن يخدعوا الآخرين ؟ أم مثيرون للشفقة لأنهم لم يستطيعوا أن يُحبّوا أنفسهم دون هذا التنكر الدائم ؟
إنه التناقض الصارخ إذن .. والغرابة أن كثيرًا من هؤلاء يظهرون بمظهر الواثق .. الحكيم .. المتوازن .. المنمق في حديثه .. بينما هم في العمق أكثر الناس تعطشًا للتصفيق حتى وإن جاء من جمهور لا يعرفهم ولا يفهمهم .. يرتدون أقنعة لا تناسب ملامحهم ويرفعون شعارات لا يعيشونها ويبنون هويتهم من ردود الأفعال بدلًا من أن يكتشفوها في الصمت !
والسؤال هو ما الذي يجعل الإنسان يُبالغ في تزييف ذاته ؟ هل هو الرفض الذي عايشه ؟ الشعور بالدونية ؟ الفراغ الداخلي ؟ أم هو هوس الشهرة التي توهمهم أنهم موجودون فقط حين يُرى وجودهم ؟
عندما يصير التزييف عبودية فالكارثة ليست في التلون ذاته بل في الإيمان به ! تماما حين يبدأ الإنسان بتصديق الكذبة التي اختلقها عن نفسه .. يفقد حريته تدريجيًا ويصير عبدًا لصورته المتخيلة ! ولا أعرف بماذا يشعر أو كيف يشعر .. والأكيد أنه لن يستطيع الرجوع إلى نفسه لأنه ألقى بها منذ زمن في الزاوية وراح يُنفق عمره في ترميم النسخة التي يظن أن الناس ستحبها أكثر .
وينسى بعضهم أن القيمة لا تُشترى ولن يتزيّن الإنسان يومًا بما ناله بل بما كانه .. والشهرة قد تُشترى والحرف قد يُزوّر والهيئة قد تُجمّل لكن القيمة لا يمكن استيرادها أو هندستها صناعيًا ! القيمة تنبع من التوافق الصادق بين الداخل والخارج وبين الفكرة والسلوك وبين ما نقوله وما نؤمن به حقًا .
وأما عن مهزلة الألقاب .. ولأن العظمة لم تعد تُقاس بما أنجزت بل بما ادّعيت .. صار من الطبيعي أن نرى "دكتورًا" في كل زاوية .. دكتور في العلاقات دون أن يدير علاقة ناجحة في حياته .. ودكتور في التنمية الذاتية وهو بالكاد يعرف ذاته .. ودكتور في الطاقة الإيجابية ويكاد ينفجر من السلبية كل مساء !
لا عجب أن تصير الـ"CV" مليئة بالدورات المُتخيلة والشهادات المطبوعة في المقاهي .. بينما الفراغ الحقيقي لا يملؤه حرف ولا حيلة .
وأصبحنا وكأن المطالبة بلقب "د." وغيره من الألقاب أن يُوضع قبل الاسم ولو بلا معنى هو ما يمنحنا احترامًا لم نستحقه بأفعالنا .
في هذا السيرك الكبير لم يعد مهماً أن تكون محترمًا بل أن تبدو كذلك .. أن ترتدي بدلة ضيقة على قامة فارغة .. وتتكلم لغة لا تفهمها وتصفق لنفسك حتى يصفق لك الآخرون أو يتعبوا فيتركونك تصفق وحدك !
ولازلت مؤمنة أنني لا أحتاج لقبًا لأكون .. أعجب بذاتي كثيرًا حين يأتيني اللقب من أفواه من عرفوني لا طلبًا ولا تصنّعًا بل احترامًا لما أنا عليه .. وأزداد إعجابًا حين أرفضه عن وعي .. لأنني أعلم جيدًا أنني فوق كل تلك الألقاب .. وأكبر من أن يُختصر كياني في حرفٍ سابق لاسمي .
إنني بصدق أفضل بكثير من كثيرٍ ممن عُلّقت أسماؤهم بلقب "دكتور" ونسوا أن القيمة لا تُعلق في مقدمة الاسم بل تُجسّد في طريقة العيش وفي الصدق مع النفس وفي عيون من لمسوا منك الأثر .. ولو حصل ووضعت تلك الدال يوماً فستكون صنيع استحقاقي عن جدي واجتهادي وما ارتضيه لذاتي ليسمو بي أكثر وليس العكس.
بقلم أ. حوراء دشتي
@7oura_dashti
Houra.dashti@hotmail.com
فن المغادرة الاحترافية: استراتيجيات الارتقاء المهني عند إنهاء الخدمة استاذ الفقه المقارن بجامعة...
اقرأ المزيدالإجازة الصيفية… وقتٌ للنمو لا للفراغ . مع حلول فصل الصيف، يبدأ كثيرون في البحث عن معنى لأسابيع...
اقرأ المزيدابنك الموهبة.. القادم . لدي شغف واهتمام وتساؤلات، حول مكون مهم في مجتمعنا، ينشئ ويتربى بيننا...
اقرأ المزيدالحوار وإشكالياته! . ضجيج بين المتحاورين كلا من هم يريد أن يثبت للآخر هو على الذي على حق وهو...
اقرأ المزيدكيف يمكن أن يتم ضبط خوارزمية تيك توك ؟؟؟؟ . هل مللت من رؤية نفس النوع من الفيديوهات على تيك توك؟...
اقرأ المزيدمع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي (AI) بوتيرة غير مسبوقة، أصبحت مسألة ما إذا كان الذكاء الاصطناعي...
اقرأ المزيد