الحوار وإشكالياته!
ضجيج بين المتحاورين كلا من هم يريد أن يثبت للآخر هو على الذي على حق وهو الأصح، وهو من يملك ناصية الحديث والمعلومة والرأي السديد. تنامت لدينا مؤخرا سلوكيات غريبة، بثقافة جديدة في الحوار بين الأطراف، بل برز الصريخ العالي! والمقاطعة في أثناء تبادل الحديث! بل ساد عدم إعطاء الفرصة للآخر للتعبير عن الفكرة والرأي ولا الإنصات له! هل هناك مساحة نقاش تمنح لطرف وأخرى لآخر وبتوازن؟ هل هناك صيغة لحوار أمثل يحقق أهدافه؟ هل هناك حوار فاعل وبنّاء، له مقومات تضمن له النجاح من أي انحراف أو تصادم؟ في ثقافتا وما تربينا عليه من تربية قويمة وفطرة سليمة، أدب الحوار هو مجموعة القيم والأخلاقيات التي ينبغي أن نتحلى بها، ونتدرب عليها في أثناء النقاش تقديرا لأهمية تعاملنا الراقي مع الآخرين، بغض النظر عن اختلاف وجهات نظرهم. فمن المسلم به، والمفترض منه، أن يكون الحوار هو تحقيق أعلى درجات التفاهم والتواصل البناء، حتى نتجنب الوقوع في شجار أو نزاعات قد يعرقل الوصول إلى حقيقة ما أو حل منشود.
لكن هنا نجد جليا تنامي هذه الظاهرة السلوكية، ذلك في ظل غياب ووضوح الغايات المحددة للحوار، سواء كان لحل مشكلة، أو توضيح فكرة، أو اتخاذ قرار. ناهيك عن عدم الإعداد الجيد والتحضير لهذا النقاشات بجمع المعلومات، والأدلة اللازمة لدعم وجهة النظرالمطلوبه، وبدون تعزيز الاحترام المتبادل بين الأطراف، أو الاستهانة منهم أو التقليل من شأن أفكارهم التي يطرحونها، مع عدم منحهم الإصغاء الكامل والفرصة للتعبير عن رأيهم دون مقاطعة، وفهم ما يقولون بتمعن ودقة واهتمام، والرد بناءً على ما طُرِح فعلاً، وليس بناءً على الافتراضات، مع وجوب الالتزام بالموضوعية، ومناقشة الأفكار والآراء بعيدًا عن الشخصنة، مع التركيز على الحقائق والأدلة بدلاً من المشاعر أو المعتقدات الشخصية، مع إبداء المرونة في تقبل وجهات النظر المختلفة، عاملا على إيجاد أرضية مشتركة، واختيار كلمات واضحة ومهذبة ولائقة تعبر عن الأفكار بعينها، مع الابتعاد عن الألفاظ الجارحة أو الاستفزازية التي قد تؤدي إلى توتر الحوار، مع الحفاظ على الهدوء وضبط النفس وعدم الانجرار إلى الغضب أو التعصب، والتركيز على الحوار البناء بدلاً من الانفعال العاطفي.
باختصار ، إن ثقافة الحوار الأمثل ليست مجرد تبادل كلامي، بل هي عملية تواصل قائمة على الاحترام والتفاهم، باحثة عن حقيقة متوافقة ، مراعية السياقات الثقافية والاجتماعية والمقومات الفعّالة لبناء علاقات مثالية مع الآخرين، تُحل من خلالها الخلافات وتُحقق الأهداف المشتركة ، وحوارات قائمة على آداب الاختلاف لا الاختلاف . فلا حوار بلا وجهات نظر، ولا خلاف يظهر دون تجاوز يجعل من احتكاك الآراء مدخلاً للتفكير ، ونشوء خيوط واتجاهات الرأي . فاختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية .
دعونا نختلف !
استكمالاً لما طُرِح في المقال السابق حول إشكاليات الحوار، وعن أهمية تعزيز ثقافة الحوار في حال النقاش، مع إثراء عملية التواصل التي يجب أن تقوم على الاحترام، والتفاهم، والبحث عن الحقيقة والمصلحة المتبادلة، مع مراعاة تفاصيل السياقات الثقافية والتعليمية والاجتماعية وتجارب الآخرين، لحل أي خلافات قد ينشئ، وأن هذه الحوارات يجب أن تقوم على أدب الاختلاف لا الخلاف. إذ إن هناك خلطًا بين المفهومين لدى الكثير في يومنا هذا، حيث لا يتم التفريق بين الاختلاف الذي هو حدث طبيعي، بما فيه من نمو معرفي وحراك ثقافي، ليؤكد احترام وجهات النظر بين المتحاورين مع تعدد شرائحهم وتوجهاتهم، وذلك بعكس الخلاف الذي هو يعبّر عن العداء والقطيعة، والفرقة.
إن ما نراه من سلوك متنام في مجتمعنا، انه يبدأ بالحوار، ثم ينتقل إلى جدل مقيت يتعاظم ويكبر، وكل طرف يريد أن يؤكد وجهة نظره، بل ويفرضها على الآخر، ذلك قائم على فكرة (إن لم تكن معي فأنت ضدي). بدون إصغاء كاف ولا احترام لرأي الآخر في حال الخلاف.
لو حدث جدال أو خصام بين زميلين على سبيل المثال، سواء كانا يعملون معا أو جارين في المنزل أو شخصين قريبين لبعضهم، نجد أن ارتقاء الحوار والنقاش بينهم يجب أن يكون هو المقدم لحل النزاع، وليكن بنوايا طيبة ومقاصد خيرة، مدركين أهمية التعايش فيما بينهم، مهما اختلفا، ومهما تباينت وجهات نظرهم، بل تلك هي ظاهرة بنائه وطبيعية وصحية، والنظر إليها بأنها مثمرة، ومثراه، وفتحا لآفاق ومنافع حسنه قد تحدث بينهم.
هنا نجد أن التسامح وقبول حق الآخرين في التعبير عن آرائهم إدراك مهم، حتى لو كان مخالفاً عن رأيك، وأن نقر بأن هناك أكثر من طريقة للتفكير وأكثر من طريقه للحل، وأن نظرتنا إلى الحقيقة في بعض الأحيان يجب أن لا تكون نسبية، فلعل هنا البحث عن القواسم المشتركة، مع التركيز على نقاط الاتفاق بدلاً من تضخيم نقاط الاختلاف هو السبيل الأمثل، في السعي لتحقيق المنافع المرجوة، بدلاً من التركيز على من يفوز، أو من يفرض، أو يقنع، بوجهة نظره دون الآخر. ثق تماما لا يتحقق ذلك إلا في الالتزام موضوعيا في مناقشة الأفكار بدلاً من الأشخاص، وتجنب الانحياز أو التحيز الشخصي. مع إبراز الصدق والشفافية دوما في أثناء النقاش،
باختصار ، دع الاختلاف جانبًا ، واحترم الآخرين، وتقبّل آراءهم بكل تقدير وتسامح وهدوء ورحابة صدر ، وتفهم ما يقولونه وما يعرضونه بكل أدب وتهذيب، وحوارهم على نقاط الاتفاق لا على نقاط الخلاف. ولذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله : " كلامنا صواب وقد يكون خطأ ، وكلام غيرنا خطأ وقد يكون صوابًا " .
كيف يمكن أن يتم ضبط خوارزمية تيك توك ؟؟؟؟ . هل مللت من رؤية نفس النوع من الفيديوهات على تيك توك؟...
اقرأ المزيدمع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي (AI) بوتيرة غير مسبوقة، أصبحت مسألة ما إذا كان الذكاء الاصطناعي...
اقرأ المزيدإذا نظرنا حولنا للأشخاص الناجحين والمتميزين في حياتهم وحاولنا التمعن في الأسباب التي تجعل منهم...
اقرأ المزيديمكن على وجه العموم تعريف الغش بأنه عملية تحايل للاستحواذ على منفعة أو منافع بطرق غير شرعية أو...
اقرأ المزيد